الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الألوسي: والآباء والأبناء عبارة عن الورثة الأصول والفروع، فيشمل البنات والأمهات والأجداد والجدات، أي أصولكم وفروعكم الذين يموتون قبلكم لا تعلمون من أنفع لكم منهم أمن أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته، أم من لم يوص فوفر عليكم عرض الدنيا، وليس المراد كما قال شيخ الإسلام بنفي الدراية عنهم بيان اشتباه الأمر عليهم، وكون أنفعية كل من الأول والثاني في حيز الاحتمال عندهم من غير رجحان لأحدهما على الآخر فإن ذلك بمعزل من إفادة التأكيد المذكور، والترغيب في تنفيذ الوصية بل تحقيق أنفعية الأول في ضمن التعريض بأن لهم اعتقادًا بأنفعية الثاني مبنيًا على عدم الدراية، وقد أشير إلى ذلك حيث عبر عن الأنفعية بأقربية النفع تذكيرًا لمناط زعمهم وتعيينًا لمنشأ خطئهم ومبالغة في الترغيب المذكور بتصوير الصواب الآجل بصورة العاجل لما أن الطباع مجبولة على حب الخير الحاضر كأنه قيل: لا تدرون أيهم أنفع لكم فتحكمون نظرًا إلى ظاهر الحال وقرب المنال بأنفعية الثاني مع أن الأمر بخلافه فإن ما يترتب على الأول الثواب الدائم في الآخرة، وما يترتب على الثاني العرض الفاني في الحياة الدنيا، والأول لبقائه هو الأقرب الأدنى، والثاني لفنائه هو الأبعد الأقصى، واختار كثير من المحققين كون الجملة اعتراضًا مؤكدًا لأمر القسمة، وجعل الخطاب للمورثين، وتوجيه ذلك أنه تعالى بين أنصباء الأولاد والأبوين فيما قبل؛ وكانت الأنصباء مختلفة، والعقول لا تهتدي إلى كمية ذلك.فربما يخطر للإنسان أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه كانت أنفع وأصلح كما تعارفه أهل الجاهلية حيث كانوا يورثون الرجال الأقوياء ولا يورثون الصبيان والنسوان الضعفاء فأنكر الله تعالى عليهم ما عسى أن يخطر ببالهم من هذا القبيل، وأشار إلى قصور أذهانهم فكأنه قال: إن عقولكم لا تحيط بمصالحكم فلا تعلمون من أنفع لكم ممن يرثكم من أصولكم وفروعكم في عاجلكم وآجلكم فاتركوا تقدير المواريث بالمقادير التي تستحسنونها بعقولكم ولا تعمدوا إلى تفضيل بعض وحرمانه، وكونوا مطيعين لأمر الله تعالى في هذه التقديرات التي قدرها سبحانه فإنه العالم بمغيبات الأمور وعواقبها، ووجه الحكمة فيما قدره ودبره وهو العليم الحكيم، والنفع على هذا أعم من الدنيوي والأخروي وانتفاع بعضهم ببعض في الدنيا يكون بالإنفاق عليه والتربية له والذب عنه مثلًا، وانتفاعهم في الآخرة يكون بالشفاعة، فقد أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به، وإلى هذا ذهب الحسن رحمه الله تعالى، وخص مجاهد النفع بالدنيوي وخصه بعضهم بالأخروي.وذكر أن المعنى لا تدرون أي الآباء من الوالدين والوالدات وأي الأبناء من البنين والبنات أقرب لكم نفعًا لترفعوا إليهم في الدرجة في الآخرة، وإذا لم تدروا فادفعوا ما فرض الله تعالى وقسم ولا تقولوا: لماذا أخر الأب عن الإبن ولأي شيء حاز الجميع دون الأم والبنت، واعترض بأن ذلك غير معلل بالنفع حتى يتم ما ذكر وأنه يدل على أن من قدم في الورثة، أو ضوعف نصيبه أنفع ولا كذلك، والجواب بأنه أريد أن المنافع لما كانت محجوبة عن درايتكم فاعتقدوا فيه نفعًا لا تصل إليه عقولكم بعيد لعدم فهمه من السياق، ويرد نحو هذا على ما اختار الكثير، وربما يقال: المعنى أنكم لا تدرون أي الأصول والفروع أقرب لكم نفعًا فضلًا عن النفع فكيف تحكمون بالقسمة حسب المنفعة وهي محجوبة عن درايتكم بالمرة، والكلام مسوق لردّ ما كان في الجاهلية فإن أهل الجاهلية كانوا كما قال السدي لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان ولا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، وعن ابن عباس أنهم كانوا يعطون الميراث الأكبر فالأكبر، وهذا مشعر بأن مدار الإرث عندهم الأنفعية مع العلاقة النسبية فرد الله تعالى عليهم بأن الأنفعية لا تدرونها فكيف تعتبرونها والغرض من ذلك الإلزام لا بيان أن الأنفعية معتبرة في نفس الأمر إلا أنهم لا يدرونها، ولعله على هذا لا يرد ما تقدم من الاعتراض فتدبر، وقيل: إن المراد من الآية إنكم لا تدرون أي الوارثين والمورثين أسرع موتًا فيرثه صاحبه فلا تتمنوا موت الموروث ولا تستعجلوه، ونسب إلى أبي مسلم، ولا يخفى مزيد بعده. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} قيل: في الدنيا بالدعاء والصدقة؛ كما جاء في الأثر: إن الرجل ليُرفع بدعاء ولده من بعده.وفي الحديث الصحيح: «إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث فذكر أو ولد صالح يدعو له» وقيل: في الآخرة؛ فقد يكون الابن أفضلَ فيشفع في أبيه؛ عن ابن عباس والحسن.وقال بعض المفسرين: إن الابن إذا كان أرفَع من درجة أبيه في الآخرة سأل الله فَرفع إليه أباه، وكذلك الأب إذا كان أرفعَ من ابنه؛ وسيأتي في الطور بيانه.وقيل: في الدنيا والآخرة؛ قاله ابن زيد.واللفظ يقتضي ذلك. اهـ..قال أبو حيان: {إن الله كان عليمًا} حكمًا أي عليم بما يصلح لخلقه، حكيم فيما فرض.قال ابن عطية: وهذا تعريض للحكمة في ذلك، وتأنيس للعرب الذين كانوا يورّثون على غير هذه الصفة.وقيل: تضمنت هذه الجملة النهي عن تمني موت الموروث.وقيل: المعنى في أقرب لكم نفعًا الأب بالحفظ والتربية، أو الأولاد بالطاعة والخدمة والشفقة.وقريب من هذا قول أبي يعلى، قال: معناه أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعًا، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء، والآباء ينتفعون في كبرهم بالابناء.وقال الزمخشري معلقًا هذه الجملة: بالوصية، وأنها جاءت ترغيبًا فيها وتأكيدًا.قال: لا تدرون من أنفع لكم من آبائكم وأبنائكم الذين يموتون، أمن أوصى منهم أم من لم يوص يعني: أن من أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته، فهو أقرب لكم نفعًا، وأحضر جدوى ممن ترك الوصية فوفر عليكم عرض الدنيا، وجعل ثواب الآخرة أقرب وأحضر من عرض الدنيا ذهابًا إلى حقيقة الأمر، لأن عرض الدنيا وإن كان عاجلًا قريبًا في الصورة إلا أنه فانٍ، فهو في الحقيقة الأبعد الأقصى، وثواب الآخرة وإن كان آجلًا إلا أنه باقٍ فهو في الحقيقة الأقرب الأدنى انتهى كلامه.وهو خطابه.والوصية في الآية لم يأتِ ذكرها لمشروعيتها وأحكامها في نفسها، وإنما جاء ذكرها ليبين أنّ القسمة تكون بعد إخراجها وإخراج الدين، فليست مما يحدث عنها، وتفسر هذه الجملة بها.ولكنه لما اختلف حكم الابن والأب في الميراث، فكان حكم الابن إذا مات الأب عنه وعن أنثى، أن يرث مثل حظ الأنثيين، وكان حكم الأبوين إذا مات الابن عنهما وعن ولد أن يرث كل منهما السدس، وكان يتبادر إلى الذهن أن يكون نصيب الوالد أوفر من نصيب الابن، إذ ذاك لما له على الولد من الإحسان والتربية من نشئه إلى اكتسابه المال إلى موته، مع ما أمر به الابن في حياته من بر أبيه.أو يكون نصيبه مثل نصيب ابنه في تلك الحالة إجراء للأصل مجرى الفرع في الإرث، بين تعالى أنّ قسمته هي القسمة التي اختارها وشرعها، وأن الآباء والأبناء الذين شرع في ميراثهم ما شرع لا ندري نحن أيهم أقرب نفعًا، بل علم ذلك منوط بعلم الله وحكمته.فالذي شرعه هو الحق لا ما يخطر بعقولنا نحن، فإذا كان علم ذلك عازبًا عنا فلا نخوض فيما لا نعلمه، إذ هي أوضاع من الشارع لا نعلم نحن عللها ولا ندركها، بل يجب التسليم فيها لله ولرسوله.وجميع المقدرات الشرعية في كونها لا تعقل عللها هي مثل قسمة المواريث سواء. اهـ..قال الخازن: قال عليه رحمة الله:.فصل في الحث على تعليم الفرائض: اعلم أن الفرائض من أعظم العلوم قدرًا وأشرفها ذخرًا وأفضلها ذكرًا وهي ركن من أركان الشريعة وفرع من فروعها في الحقيقة اشتغل الصدر الأول من الصحابة بتحصيلها وتكلموا في فروعها وأصولها ويكفي في فضلها أن الله عز وجل تولى قسمتها بنفسه وأنزلها في كتابه مبينة من محل قدسه وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليمها فيما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض والقرآن وعلموا الناس فإني مقبوض». أخرجه الترمذي وقال فيه اضطراب وأخرجه أحمد بن حنبل وزاد فيه فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان أحدًا يخبرهما.عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها فإنه نصف العلم وهو أول علم ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي» أخرجه ابن ماجه والدارقطني..فصل في بيان أحكام الفرائض: إذا مات الميت وله يبدأ بتجهيزه من ماله ثم تقضي ديونه إن كان عليه دين ثم تنفذ وصاياه وما فضل بعد ذلك من ماله يقسم بين ورثته والوارثون من الرجال عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل الأب والجد وإن علا والأخ سواء كان لأب وأم أو لأب أو لأم وابن الأخ للأب والأم أو للأب وإن سفل والعم للأب والأم أو للأب وابناهما وإن سفلوا والزوج والمعتق.والوارثات من النساء سبع: البنت وبنت الابن وإن سفلت.والأم والجدة وإن علت.والأخت من كل الجهات.والزوجة والمعتقة وستة من هؤلاء لا يلحقهم حجب الحرمان بالغير وهم: الأبوان والوالدان والزوجان لأنه ليس بينهم وبين الميت واسطة ثم الورثة ثلاثة أصناف: صنف يرث بالفرض المجرد وهم الزوجان والبنات والأخوات والأمهات والجدات وأولاد الأم وصنف يرث بالتعصيب وهم: البنون والإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم وصنف يرث بالتعصيب تارة وبالفرض أخرى وهما: الأب والجد فيرث بالتعصيب إذا لم يكن للميت ولد فإن كان له ابن ورث الأب بالفرض السدس وإن كانت بنت ورث السدس بالفرض وأخذ الباقي بالتعصيب والعصبة اسم لمن يأخذ جميع المال إذا انفرد ويأخذ ما فضل عن أصحاب الفرائض.وأسباب الإرث ثلاثة: نسب ونكاح وولاء فالنسب القرابة يرث بعضهم بعضًا والنكاح هو أن يرث أحد الزوجين من صاحبه بسبب النكاح والولاء هو أن المعتق وعصباته يرثون المعتق والأسباب التي تمنع الميراث أربعة: اختلاف الدين فالكافر لا يرث المسلم ولا المسلم يرث الكافر لما روي من أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» أخرجاه في الصحيحين.
|